الوكيل العام للرهبانيّة المخلّصية في الأراضي المقدسة لـ «الدستور»
نـــوف الـــــور
يؤمن بأن للمسيحيين الفلسطينيّين، في العصر الحديث، دورا فعّالا في تشكيل الهوية الوطنية الفلسطينية، وأن الوصاية الهاشميّة على المقدّسات المسيحيّة والإسلاميّة في القدس تشكل أمن هذه الاماكن وحمايتها في ظل الظروف والتحديات التي مرت فيها الاراضي المقدسة وما زالت، مؤكدا انّ العيون في فلسطين تنظر لجلالة الملك عبدالله الثاني انه قائد استثنائي، يُعزز قيم التسامح الدينيّ، والسلام، والمحبّة، والأخوّة بين المسلمين والمسيحيّين
ضيف حوار «الدستور» هو الارشمندريت الدكتور اغابيوس أبو سعدى، الوكيل العام للرهبانيّة المخلّصيّة في الأراضي المقدّسة، ورئيس كنيسة الروم الكاثوليك في حيفا، ورئيس مؤسسة البيت المسيحي في حيفا، وتاليا نص الحوار
الدستور: من هو الارشمندريت اغابيوس أبو سعدى؟
– د. الأرشمندريت أبو سعدى: انا من مواليد مدينة بيت ساحور (فلسطين)، حائز على شهادة الدكتوراه في لاهوت الكتاب المقدّس من جامعة الروح القدس، الكسليك – لبنان، وباحث في شؤون المسيحيّين في الشرق الأوسط
اشغل اليوم منصب الوكيل العام للرهبانيّة المخلّصيّة في الأراضي المقدّسة، ورئيس كنيسة الروم الكاثوليك في حيفا، ورئيس مؤسسة البيت المسيحي في حيفا، لدي العديد من المؤلّفات الروحيّة، والكتابية والتاريخية
الدستور: صف لنا حال المسيحيين اليوم في الداخل الفلسطيني؟ وهل هم جزء من النضال في هذه الاراضي المحتلة؟
– د. الأرشمندريت أبو سعدى: لعب المسيحيون الفلسطينيون، عبر تاريخهم الطويل، دورا في السياسة، والجوانب الاجتماعية للحياة الفلسطينية، والصراع العربي – الإسرائيلي
فمن خلال التأثير في الأنظمة التربويّة، ووجود قادة سياسيين مؤثّرين، وإظهار الوحدة مع المسلمين، فقد تمكنوا من تشكيل معنى «أن تكون فلسطينيًّا»
يشعر المسيحيّون الفلسطينيّون بجذور عميقة في المجتمع الفلسطينيّ. إنّهم يفهمون أنفسهم كجزء من المجتمع الفلسطينيّ، ويسهمون بنشاط في ازدهاره، وان «إحياء المسيحية الفلسطينيّة» هو موضوع لاهوتي فلسطيني يعبِر عن صحوةٍ روحية، ومجتمعية، وسياسية للكنيسة الفلسطينيّة، بدأت في السبعينيات، وحولت الكنائس المحليّة إلى قوّة مهمّة للتغيير الاجتماعي والسياسي
هذا الإحياء هو جزء من «الصحوة المسيحيّة» الأطول والأكثر تدريجيّةً في الشرق الأوسط، بدءًا من القرن التاسع عشر واستمرّت على مدار القرن العشرين، وهي نفسها نتيجةٌ لتحدّيات الحرب، والتهجير، والهجرة، والتدخّل الأوروبيّ، والتطرّف الدينيّ الشامل في الشرق الأوسط
هناك طريقتان مختلفتان أثّرا على اللاهوت الفلسطينيّ، ويقوم لاهوت التحرير على «سياق المقاومة المشتركة» الموجود في أماكن، مثل القدس، حيث يعيش المسيحيّون مع المسلمين ضدّ المحتل الإسرائيليّ، في المقابل، فإنّ اللاهوت الذي يركز على المصالحة والشهادة يميل أكثر نحو «سياق التعايش»: العيش بسلامٍ مع الآخر؛ إذ يعمل اللاهوتيّون الفلسطينيّون حاليًا على إضفاء الطابع المحلي على الخطاب اللاهوتي، من خلال نشر المزيد من الأعمال باللغة العربيّة، والعمل مع علماء دين عرب من أجزاء أخرى من الشرق الأوسط
وقد نشهد أيضا إحياء آخر للمسيحيّة الفلسطينيّة، إذا استمر قادة الكنيسة واللاهوتيّون في إظهار الحيوية والشجاعة لاستمرار المشاركة العامّة للإيمان واللاهوت المسيحيّ
وقد كان للمسيحيين الفلسطينيّين، في العصر الحديث، دورٌ فعّال في تشكيل الهوية الوطنية الفلسطينية، يمكنني أن أجزم أن المطران غوريغوريوس حجّار الملقَّب بـ»مطران العرب»، الذي كان مطرانا للروم الملكيّين الكاثوليك على الجليل بين 1901 – 1940، من أبرز مؤسّسي الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، وأنّ تأثيرهم على المجتمع الفلسطينيّ يفوق أعدادهم بكثير
الدستور: تحدثت في كتابك الاخير عن مسيحيتين عربية ومشرقية، ماذا قصدت بهما ولماذا فصلتهما؟
– د. الأرشمندريت أبو سعدى: ينقسم المسيحيّون إلى فئتين: المسيحيّون العرب والمسيحيّون المشرقيّون، فالمسيحيّون العرب هم من أصلٍ عربيّ، كما يذكر سفر أعمال الرسل (11:2)، وكان موطنهم اليمن، وشبه الجزيرة العربيّة، وبصرى -الولاية العربيّة أمّا المسيحيّون المشرقيّون، فهم من أصولٍ شرقيّة كالروم الأرثوذكس اليونان، والأقباط، والآشوريّون، والكلدان، وغيرهم، فالجماعات المسيحيّة في الأراضي المقدّسة متنوّعةٌ للغاية، وتُمثِّل مجموعةً مركّبة من الطوائف
يمكن تقسيم هذه الطوائف المتنوّعة إلى أربع مجموعاتٍ رئيسة: الأرثوذكس الشرقيّون وغير الخلقيدونيّين (بما في ذلك الأرمن، والسريان، والأقباط، والأثيوبيّون). والأرثوذكس الشرقيّون، الخلقيدونيّون (الروم الأرثوذكس)، والعائلة الكاثوليكيّة (اللاتين، والروم الملكيّون الكاثوليك، والموارنة، والسريان الكاثوليك، والأرمن الكاثوليك)، والعائلة الإنجيليّة والأسقفيّة، التي تضمّ جميع الطوائف البروتستانتيّة. يصوغ كلّ مجتمعٍ مسيحيٍّ مفاهيمه اللاهوتيّة الخاصّة بالطريقة التي تكون فيها الأرض المقدّسة، أو لا تكون، أرضًا مقدّسة، وقد بُنِيَت فكرة الأرض المقدّسة من جديدٍ وبشكلٍ واضح في تجربة كلّ فردٍ ومجتمعٍ، وفي المحادثة مع الذات، مع الفهم الذاتيّ للهويّة. ليست هذه الأفكار عن الأرض المقدّسة لاهوتيّة منعزلة ومجرّدة، لكنّها متداخلة مع النسيج الاجتماعي، ممّا يعكس تجارب وتفسيرات متنوّعة للروايات الدينيّة، والهويات العرقية والقومية، والعلاقات الشخصية، والسياقات الاجتماعية والسياسية.
الدستور: الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس كم هي مهمة اليوم اكثر مما هي في الأمس؟ –
د. الأرشمندريت أبو سعدى: بالنسبة للوصاية الهاشميّة على المقدّسات المسيحيّة والإسلاميّة في القدس، فهي أمرٌ مشرِّفٌ للغاية، ويعكس اهتمام الهاشميّين، ممثّلي الإسلام المعتدل في المنطقة، بالمقدّسات. فلقد أبرم الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس اتّفاقية قانونية عام 2013 بعنوان «تعاون لحماية القدس والمقدّسات»، تؤكّد على مكانة الملك عبدالله الثاني كحارس للأماكن المقدّسة في القدس. وعندما أُعطي الأردن الوصاية على الأماكن المقدّسة في القدس، تعهّد بحماية الأماكن المقدّسة، وصيانتها، وترميمها؛ وهنا يجب ألّا ننسى المكرمتَين الملكيَّتَين لترميم كنيسة الصعود والقبر المقدّسويأتي هذا التبرّع تنفيذًا لوعد الملك خلال خطاب تسلُّمه جائزة جون تمبلتون، حيث قال: «يتوجّب علينا جميعًا المحافظة على القدس الشريف، بتاريخها العريق المبنيّ على تعدُّد الأديان، كمدينة مقدّسة تجمعنا، وكرمز للسلام، ولجائزة تمبلتون جزيل الشكر على الإسهام في دعم هذه الجهود، إذ سيتمّ تخصيص جزءٍ من قيمة الجائزة لدعم مشاريع ترميم المقدّسات في القدس ومن بينها كنيسة القيامة». بنظري، ونظر الكثيرين من أبناء شعبي في فلسطين، أؤكّد جازما أنّ جلالة الملك عبدالله الثاني هو قائد استثنائي، يُعزز قيم التسامح الدينيّ، والسلام، والمحبّة، والأخوّة بين المسلمين والمسيحيّين
الدستور: ماذا تحمل من رسائل فلسطينية للاردن قيادة وشعبا؟
– د. الأرشمندريت أبو سعدى: لطالما اعتُبِرَ الأردنيّون والفلسطينيّون كشعب واحد، ونحن على العهد باقون، خاصّة وأنّنا كفلسطينيّين لا يمكننا فكّ ارتباطنا بوطننا الثاني الأردن، وبالعائلة الملكيّة الهاشميّة صاحبة الوصاية على مقدّسات الأمّة. فالشعب الأردنيّ كما قيادته الهاشميّة الحكيمة، هو شعب الكرم، والجود، والسخاء في الضيافة، أتمنّى، كما يتمنّى الكثيرون، أن يبقى الأردن، قيادة وشعبا، حارسا للقضيّة الفلسطينيّة، ووصيا على مقدّساتنا. عاش الملك وعاش الأردن